البروتوكول

البروتوكول الدبلوماسي والإجتماعي
الغموض قد يكون ميزة في بعض الأحيان في الحياة العامة أو في التعامل الدبلوماسي, ولكن التطورات المعاصرة تفرض في بعض الأحيان مزيداً من الوضوح والشفافية تجنباً للحساسيات والمشاكل التي قد تترتب على الغموض.
إذا كانت الحياة العسكرية تولى عناية خاصة, واهتماماً بالتفاصيل الدقيقة ومراعاة الانضباط في التنفيذ والأداء, فإن هاتين السمتين بالغتا الأهمية للعمل الدبلوماسي بوجده عام, وفي مجال البروتوكول والمراسم بوجه خاص.
          ومن ثم فإن توضيح المصطلحات والمفاهيم تعد من أولى المهام لمن يتناول قضايا البروتوكول والمراسم مع الأخذ في الحسبان أنه تتم أحياناً مرونة في التطبيق.
          وفي الإسلام الحنيف فإن قواعد الاتيكيت, وإن لم تستخدم هذا التعبير إلا إنها استخدمت تعبيرات ومصطلحات أخرى, عكست نفس المعنى قبل ذلك بآلاف السنين وفي أبسط وأبلغ عبارة قرآنية حيث يخاطب الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم بقوله: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك). وفي آية أخرى يتأكد نفس المعنى بتعبير تأكيدي "وإنك لعلى خلق عظيم". وهذا هو المحك في (الاتيكيت) الخلق العظيم, وعدم الفظاظة في التعامل, باعتبار أن ذلك هو الطريق لغزو القلوب واجتذابها واكتساب مودتها, أليس ذلك هو هدف الداعية الديني, والمبعوث الدبلوماسي, والمعلم في المدرسة, والأستاذ في الجامعة والسياسي في دعوته, بل وأي فرد في المجتمع أيا كان موقعه.
          هنالك ثلاثة مصطلحات متداخلة وتتردد على السنة الناس استخدامات تكاد تكون متشابهة, وهي كذلك مع فروق فردية دقيقة إلا وهي:
          البروتوكول و الاتيكيت والمجاملة (Protocol- etiquette and courtesy). فالبروتوكول يمثل القواعد المتعارف عليها في التعاملات الرسمية مثل قواعد الأسبقية في الحفلات العامة والقواعد الخاصة بالزيارات والمقابلات كما وضح
الباحث ذلك سابقاً.

          أما الاتيكيت فهو القواعد غير المكتوبة وهي أقرب إلى حس الأفراد حيث يتصرف الفرد في المواقف بإحسان يجعله تصرفاً مقبولاً. وبتعبير آخر فإن الاتيكيت هو آداب السلوك, أما المجاملة فهي التصرفات والسلوك غير المكتوب الذي يقوم به الإنسان بهدف إدخال السرور على قلب الغير يشعر بالسرور والرضا ولا يريب في أن هذه التعبيرات الثلاثة, تتداخل في مبادئها وأهدافها وإن كانت تعبر عن درجات من السلوك. فالبروتوكول هدفه تجنب التشاحن والاختلاف من حلال وضع القواعد التي ينبغي أن يلتزم بها الناس.
          أي أن البروتوكول يتناول سلوك تعامل الأفراد مع بعضهم البعض في إطار تفاعلي, والاتيكيت يتعلق بسلوك الإنسان في ذاته والذي يشع على الآخرين, في حين إن المجاملة هي سلوك الإنسان نحو الآخر كفرد مما يقربه منه.
-        protocol is a behavior of interaction by apersonin agroup.
-        Etiquette is integral behavior of a person that radiates towards others.
-        Courtesy is an action of person towards another person.
     وفي إطار المصطلحات الإسلامية يمكن القول بأن (البروتوكول) هو قواعد المعاملات بين الناس. وأما (الاتيكيت) فهو آداب السلوك, أما (المجاملة) فهي المودة, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تهادوا, توادوا, تحابوا".
          فإذا أرسلت باقة ورد لشخص في عيد ميلاده فهذه مجاملة, أما إذا سمحت لشخصية أعلى منك مكانة بدخول الباب قبلك فهذا بروتوكول, وإذا تكلمت بصوت واضح وهادئ فهذا اتيكيت.
          يكتسب الإنسان كل هذه القواعد من خلال ثلاث عمليات أولها التنشئة الأسرية والاجتماعية, وثانيها التعليم في المدارس أو التعلم الذاتي, وثالثها الممارسة التي تساعد على تطبيق ما تعلمه المرء ومراجعة النفس لتجنب الأخطاء التي تقع منه في المواقف المختلفة, وهكذا ينمو الحس البروتوكولي لدى المرء ويصبح جزءاً لا يتجزأ من عادته ويتصرف بمقتضاه تصرفاً طبيعياً.


          وفي تقدير أحد الباحثين الباكستانيين في الشئون الإسلامية إن قواعد الاتيكيت في الإسلام لها هدف واضح ومحدد, وهو المساعدة في استفادة المرء الاستفادة الكاملة من قواه وقدرته الواضحة والمستترة أو الكامنة life-own of potential full to realize the ولذلك فمن الضروري أن يتعرف الإنسان على تلك القواعد, وأن يعمل جاهدا على ربط المعرفة عن تمدنه, وحسن سلوكه, وعن كرامته ومجاملاته وعن طهارته وصفاته, وعن حكمته وحسن اختياره, وعن تنظيمه انضباطه, وعن تفضله وإيثاره ونبل أخلاقه, وتعاطفه واعتداله, وحسن حديثه ولباقته, وبتعبير الباحث باللغة الإنجليزية:"civility and good manner dignity and courtesy prudence and discursion. Neatness and purity. Organization and discipline. Magmata and nobility. Sympathy and consideration. Mildness and  pleasant speech. Sense of responsibility and industry.. etc.
          ويطلق البعض على المجاملة تعبير الكياسة أي أنه مجموع واجباتنا نحو الآخرين وفي الأثر: "المؤمن كيس فطن". فالكياسة هي التهذيب, فالإنسان الطيب لا يمكن أن يكون غير مهذب لأن طبيعته تحمله على التفكير في الآخرين.
          ومن أروع ما قيل في فن الأخلاق الفاضلة, والتعامل مع الناس ما ورد في وصية الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لابنه الحسن رضي الله عنهما : "يا بني أجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك, فأحب لغيرك ما تحب لنفسك, وأكره لغيرك ما تكره لها. ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم, وأحسن كما تحب أن يحسن إليك, واستقبح من نفسكما تستقبح من غيرك, ولا تقل ما لا تحب لأن يقال لك". وفي جملة مختصرة "عامل الناس كما تحب أن يعاملوك".
          كما ورد في انجيل متى في العهد الجديد في الإصحاح السابع الآية 12 : "عاملوا الآخرين كما تحبوا أن يعاملوكم". Do as you would be done by. أما في نجيل لوقا الإصحاح السادس آية (31) فقد ورد نفس المعنى بصياغة أخرى unto others as you would. They should down to do. وهكذا يتضح أن مبادئ المجاملة والاتيكيت تعد هي روح الشرائع الدينية.
          ولا شك أن في قواعد الاتيكيت والبروتوكول من حيث نشأتها وتطورها اتصلت اتصالاً وثيقاً ببلاط الملوك, فالبلاط الملكي هو المكان الطبيعي لمراعاة قواعد البروتوكول الذي يرتكز حول الملك كمحور تنبثق مثلاً منه السلوكيات الطيبة, وتنشر على من حوله من دوائر الحكم. والملكة في بريطانيا كانت دائماً وعبر العصور من أكثر المهتمين بقواعد الاتيكيت. وتعتبر العصور الوسطى هي الفترة الزاهرة للاتيكيت الغربي.
          ونجد أن بريطانيا تأثرت بقواعد السلوك في البلاط الملكي في القرن السادس عشر وقامت بنشر عدة مؤلفات إطالية سميت كتب المجاملة (books courtesy) وأشهرها يحمل اسم (book of courtesy) نشر عام 1561م. ومنها انتقلت إلى أمريكا حيث أنشأت السيدة اليلزا ارمودي (alcazar moody) مدرسة السلوك الحميد (school of good manners) عام 1715م. وفي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تطورت القواعد البروتوكولية, وكان علية القوم يراعونها بدقة, ويستعبدون من لا يلم بها لولا يراعيها في مجالسهم الخاصة (exclusive).
          وفي منتصف القرن العشرين برز مؤلفات في الولايات المتحدة الأمريكية هما اميلي بوست وأمي فلندربلت (Emily post- Amy van derbuilt) اللتين حرصتا على نشر وتعميم السلوك الحسن.
          كما قامت السيدة اليانور روزوفلت (Eleanor Roosevelt) عام 1962م بنشر كتابها بعنوان الفطرة السليمة (book of common). ولكن مع تطور العالم ودخول دول جدية في الساحة الدولية فإن قواعد البروتوكول اتجهت نحو التبسيط.
          ومع هذا فإن قواعد الاتيكيت ظلت موضوع مراعاة في الحياة الاجتماعية وفي بلاط الملوك ورؤساء الدول وفي المناسبات الرسمية. هذا ويتم مراجعة الدول المختلفة للقواعد البروتوكولية من حين لآخر, خاصة تلك المتعلقة بالاستقبالات في المطار لرؤساء الدول وكبار الشخصيات وأيضاً المآدب والحفلات الرسمية وذلك كله بهدف تبسيط الإجراءات وتوفير الوقت للقادة وكبار الشخصيات وفي نفس الوقت إظهار الاحترام اللازم في استضافة هؤلاء القادة واستقبالهم في زياراتهم الرسمية لهذه الدول.


القواعد الحاكمة لفن البروتوكول:
الأسبقية :
          تحتل الأسبقية منزلة مهمة جداً في مادة الاتيكيت لأن كل دولة أو رئيس دولة ؛بل كل فرد يعتز بنفسه؛ ولا يقبل ما يمس منزلته وكرامته واعتباره, ولذلك فإن الأسبقية موضوع شائك ومسئولية دقيقة تقع على عاتق من يوكل إليه أمر ترتيب وتنظيم الحفلات والدعوات.
          ورغم أن هنالك قواعد مهمه متعارف عليها, إلا أن القواعد المحلية لها أثرها ويجب احترامها في موطنها, لذلك فإن من حق كل دولة إن تحدد ما يناسبها في نظام الأسبقية, وعلى المقيمين فيها بمن فيهم الدبلوماسيون الأجانب أن يحترموا هذا النظام المحلي مادامت القاعدة الموضوعة نطبق عليهم جميعاً, وعلى مختلف الطوائف والفئات والأفراد, ومع ذلك فلا يكاد يوجد نظام أسبقية محلي دون أن يشار إلى بعض جوانبه ولذلك تميل الدول إلى عدم نشر أسبقيتها حتى لا تضع المجال للانتقاد والشكوى.