المراسم




المراسم النشأة والتطور والمفهوم
تعتبر قواعد المراسم أو البروتوكول من أهم قواعد التعامل بين البشر، وقد تضمنت مراحل تطور هذه المراسم العديد من الأسس التي كانت محل احترام الأمراء ورجال الحكم والسياسة عبر حلقات التاريخ الإنساني الطويل.
       وقد يعتقد البعض أن المراسم ما هي إلا مجموعة من القيود التي فات زمانها أو إنها تراث يذكر في كتب التاريخ ويوضع في أرفف المتاحف. ولكن هذا الاعتقاد يشوبه الكثير من الخطأ والتجاوز لأنها، أي المراسم ما زالت باقية، وستظل باقية ما بقيت الحياة والتواصل بين البشر كما سنوضح ذلك لاحقاً.
       والجدير بالذكر أن المراسم أو البروتكول بلغت في عصرنا الحالي مبلغاً مهماً ليس على مستوى التعاملات الرسمية أو السياسية فحسب، ولكنها أصبحت ذات أهمية قصوى لكافة تعاملات البشر، وشملت جميع مرافق الحياة، وأن تلك الآداب المراسمية لم تعد حكراً على مجتمع أو فئة خاصة، بل هي عبارة عن تفاعل إفرازات تجارب بشرية طويلة. وهي باختصار آداب الحياة في الشرق والغرب.
       ومن الصعب جداً أن ندعي بأن المراسم أو البرتوكول ما هي إلا ممارسة طويلة ، وعمل عن حب ورغبة، قبل أن تكون قواعد تحفظ ونظريات تنظر.
       إن الإنسان مخلوق اجتماعي، لذلك فقد بادر منذ أقدم العصور بالمعيشة في شكل عائلي أو قبلي، وأصبح تعامله مع أفراد عائلته أو قبيلته لا ينحصر في الإلتجاء إلى القوة أو العنف والنهب، بل اتجه نحو التعاون والمشاركة والجنوح إلى السلم، ومن هنا تنشأ بين الأفراد بعض أشكال من التعامل والتفاهم الودي، وسرعان ما أصبحت جزاءاً من العادات والتقاليد والقواعد المتعارف عليها، كما نشأت علاقات مماثلة بين مختلف العائلات والقبائل والمجتمعات.
       كما ارتقت هذه العادات والتقاليد والقواعد وأصبحت تؤدي إلى تحقيق الغرض منها عن طريق الود وفن إرضاء الغير، كلما أمكن اعتبارها قواعد مراسمية أي قواعد مجاملات لباقة ولياقة، وكلما زادت مدارك الفرد وثقافته ومنزلته الاجتماعية، أصبح أكثر دراية ووعياً بنواحي المجالات والمراسم وبأهميتها وفائدتها، لذلك ساهم الحكام والكهنة والعلماء والفنانون بدور كبير في إرساء قواعد المراسم وتطورها.
       ومن السهل جداً أن نتعرف على تلك العادات والتقاليد إذا رجعنا بالذاكرة إلى تاريخ المصريين القدماء وأحوال معيشتهم فيما بينهم أو مع جيرانهم، كما أن الإسلام في القرآن الكريم والسنة النبوية أورد كثيراً من القواعد المراسمية التي نمارسها اليوم كما نوضح ذلك لاحقاً.
إن المراسم بشكلها الحالي جاءت نتيجة تطور هذه القواعد المراسمية في بيئة دول أوربا وخاصة أبان عهد السيطرة الكنسية وعهد الفروسية وعصر ما بعد النهضة حتى يومنا هذا، نظراً لأن المجتمع الدولي كله قد تأثر تأثراً شديداً بهذه التطورات وساعد على ذلك النمو السريع في سبل المواصلات وتبادل العلوم والثقافات والفنون والعلاقات الدولية، لذلك نجد أن من أهم محاولات وضع تقنين لهذه القواعد ( معاهدة فيينا ) عام 1815م، ومعاهدة (واكس لاشيل) عام 1818م، واتفاقيتي (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية في عامي 1961 و1963م على التوالي.
       وقد أُدخلت هذه القواعد في معظم القوانين المحلية لكل دولة وخاصة فيما يتعلق بكبار الحكام والمسئولين والمناسبات الرسمية والعلاقات الدولية، ومع أن هذه القواعد تتشابه بصفة عامة، إلا أنها في التطبيق قد تختلف في بلد عنها في بلد آخر وفقاً لظروف كل دولة، فالدول الملكية مثلاً تميل إلى المبالغة في التشريفات والفخامة في حين تميل معظم الدول الأخرى حتى في الدول الكبرى منها إلى التبسيط والاختصار في الإجراءات والشكليات.
       والخلاصة لا يمكن أن نتصور بحال من الأحوال وجود مجتمع متحضر ناضج إلا إذا سلك أبناءه السلوك المبني على المبادئ والقيم التي تنص عليها الأديان السماوية، ولذلك نجد أن لكل مجتمع عاداته وتقاليده الخاصة به فلا يجوز للمجتمع الشرقي تقليد المجتمع الغربي بما يتعارض مع عاداته وتقاليده الشرقية.
       نجد أن كلمة (المراسم) تعتبر مرادف لكلمة (الاتيكيت Etiquette) بالإنجليزية، ويعتقد أنها كلمة مشتقة من كلمة (Ticket) بمعنى بطاقة (تذكرة) وكانت العادة في الماضي إلصاق بطاقات المعلومات الخاصة بالموضوع، والفرنسيون يستعملون كلمة بروتكول (Protocol) غير أن هذه الكلمة نفسها يقصد بها أيضاً معنى دفتر (الكتاب المجلد) عندما اشتقت من اللغة اليونانية، ولو كشفنا عن كلمة (Etiquette) في القاموس لوجدنا معناها هو آداب السلوك.
       والجدير بالذكر نجد أن أول من بدأ في تطبيق فن الاتيكيت هو بستاني (جنايني) فرنسي في عهد الملك لويس الرابع عشر، فحينما كان يعمل بالحديقة كان يضج من توافد الزوار ( زوار الملك) دون انتظام بحديقة القصر، لهذا فقد فكر في تصميم بطاقة لتنظيم توافد الزوار وعرضها على الملك فوافق عليها وأمر باستخدامها.
       ولكلمة (اتيكيت) معنى آخر في القاموس هو قواعد التشريفات. ولكلمة بروتكول معاني كثيرة في القاموس هي نظام التشريفات الدبلوماسية والعسكرية، اتفاقية دولية إضافية، المسودة الأصلية لاتفاقية محاضر مؤتمر سياسي.
       ومن المفيد أن نشير إلى أن أصل تعبير اتيكيت (Etiquette) يرجع إلى اللفظ الفرنسي الذي يعني في الأصل البطاقة التي تلصق على طرد وزجاجة لتنوه عن محتوياتها. كما استعملت للدلالة على البطاقات التي كانت توزع على المدعوين في القصور الملكية في فرنسا بالالتزام بالتعليمات الموضحة بها في حضرة الملك وكبار الحاشية من الأمراء والوزراء.
       ثم انتقل التعبير للغة الإنجليزية ليعني مجموعة الآداب والسلوكيات الاجتماعية، في حين أن الفرنسيين أطلقوا على آداب السلوك تعبير (Savior) أي آداب المعيشة.
       ولا شك أن لكل مجتمع قواعده مثل هذا النمط من السلوكيات الاجتماعية والتي قد تختلف من مجتمع لآخر، ويقال أن أقدم كتاب وضع عن آداب السلوك ظهر في مصر القديمة عام 256ق.م وقد ألفه أحد الشخصيات في عهد الفراعنة ليعلم ابنه قواعد التصرف السليم مع الآخرين، كما عرف الأكل بالشوكة والسكين في مصر القديمة أيضاً، والدليل على ذلك ما ورد في القرآن الكريم حول قصة سيدنا يوسف عليه السلام وحريم النبلاء في ذلك الحين، وفي القرن السابع عشر بعد الميلاد ظهرت الشوكة في أوربا التي تطورت قواعد السلوك والمآدب بعد ذلك.
       أما تعبير بروتكول فمأخوذ من اللغة اليونانية ويعني الصفحة الأولى الملصوقة في السجل. وبالمجاز يعني السجل نفسه، وبالتعميم ما يحويه السجل.
       وفي العصور الوسطى أصبح البروتكول بأنه كتاب صياغات يدل على طرق الكتابة المختلفة لمخاطبة مختلفة الأشخاص حسب أوضاعهم.
       فالبروتوكول يبدأ عند مستوى معين من التعامل، أما آداب السلوك أو الأتيكيت فيتعلق بجميع الناس.

       أما كلمة مراسم فهي كلمة عربية، تطلق على مجموعة القواعد والإجراءات التي تتبع في العلاقات المتبادلة بين الأشخاص، أو التي تسير علاقات دول وممثليها.
       وهكذا يتضح أن كلمات ( مراسم ـ بروتكول ـ أتيكيت) تعني مدلولاً واحد هو مجموعة المبادئ والقواعد المكتوبة وغير المكتوبة التي تنظم المعاملات في مناحي الحياة المختلفة، وإن كانت كلمتي بروتوكول ومراسم تشير إلى الإجراءات والقواعد الرسمية في التعاملات بين المؤسسات والدول، بينما كلمة (اتيكيت) تعني أكثر آداب السلوك والتصرف الاجتماعي.
تعريف المراسم:
       يمكن القول بأن المراسم هي مجموعة العادات والتقاليد و القواعد والإجراءات المكتسبة أو غير المكتسبة المتفق عليها المتعلقة بالسلوك الاجتماعي وفن الخصال الحميدة والمجاملة مع مراعاة نظام الأسبقية في المناسبات الرسمية وغير الرسمية وفي العلاقات الدولية.
       لذلك نرى أنها في الواقع مستمدة من آداب اللياقة واللباقة وحسن الخلق ومراعاة الذوق العام واحترام النفس والغير، وبدون التخلق الحقيقي بهذه المبادئ، يصبح اتباع قواعد المراسم مجرد تمثيل وخداع سرعان ما يكنشف أمره ويؤدي إلى عكس المقصود به.
       نجد أن للمراسم تعريفات كثيرة منها: أنها " مجموعة الإجراءات والتقاليد وقواعد اللياقة التي تسود المعاملات والاتصالات الدولية والتي تقوم تنفيذاً للقواعد الدولية والعامة أو بناء على العرف الدولي ".
       إن الحفاوة التي تحاط بها كبار الشخصيات والممثلون والدبلوماسيون موجهة في الحقيقة للدول التي يمثلونها وليس للأشخاص، وقد بدأت الدول حالياً تتجه إلى تبسيط إجراءات المراسم ومنها القيام باستقبال حوالي خمسة عشر سفيراً في يوم واحد لتقديم أوراق الاعتماد، بحيث يكون الركاب الذي يقل السفير من المنزل عبارة عن عدد قليل من الدراجات البخارية تحيط بسيارته، وعند وصوله يستريح حتى يأتي دوره ليدخل ويصافح رئيس الجمهورية ويسلمه خطاب الاعتماد ويعود منزله بنفس الركاب البسيط.
       ما زالت بعض الدول تتمسك بالركاب التقليدي وفيه يركب السفير العربة التي تجرها الخيول وكذلك أعضاء سفارته ويحيط بهم عدد كبير من راكبي الخيول، كل ذلك مع الملابس الرسمية والنياشين، وتتم المراسم داخل القصر الملكي أو الجمهوري بنفس التقاليد القديمة (انجلترا ـ أسبانيا ـ اليابان).
       وكما أوضحت سلفاً أن هذه الدول محتفظة بعاداتها وتقاليدها وذلك من خلال راكبي الخيول.